الْخُطْبَةُ الأُولَى
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
أَمَرَ نَبِيَّهُ r بِالْقِرَاءَةِ،
وَجَعَلَهَا سَبِيلاً لِلرُّقِيِّ وَالسَّعَادَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ
إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا
وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ
وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ
إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى:( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)([1]).
أَيُّهَا
الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا r فِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ،
لاَ تَقْرَأُ وَلاَ تَكْتُبُ، فَنَقَلَهَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ إِلَى أُمَّةِ
الْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْحِكْمَةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:( هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)([2]). قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ أُمِّيَّةً لاَ يَقْرَءُونَ
كِتَابًا([3]). فَاقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُلْحِقَ الْأُمِّيِّينَ مِنْ عِبَادِهِ
بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَيَنَالُوا عِزَّةَ الْعِلْمِ وَشَرَفَهُ([4]). وَقَدِ افْتَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِسَالَتَهُ
الْخَاتِمَةَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)([5]). ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:( اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ)([6]). فَكَانَ ذَلِكَ
إِيذَانًا بِمَحْوِ أُمِّيَّتِهِمْ، وَبِدَايَةَ نَهْضَتِهِمْ وَرِيَادَتِهِمْ، وَرَفَعَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَكَانَةَ أَهْلِ الْكِتَابَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ،
فَقَالَ تَعَالَى:( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)([7]).
أَيُّهَا
الْمُصَلُّونَ: وَحَرَصَ النَّبِيُّ r عَلَى تَعْزِيزِ
الْقِرَاءَةِ فِي الْمُجْتَمَعِ, فَتَعَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ,
وَبَنَى r أُمَّةً نَاضِجَةً
مُتَعَلِّمَةً وَاعِيَةً تَقْرَأُ, وَكَانَ الصَّحَابِيُّ الَّذِي يَسْتَطِيعُ الْقِرَاءَةَ
يَحْظَى بِمَنْزِلَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَهَذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ تَقَدَّمَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشَرَّفَهُ الرَّسُولُ
r بِبَعْضِ الْمَهَامِّ
الْعَظِيمَةِ؛ لأَنَّهُ يُتْقِنُ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ, فَصَارَ كَاتِبًا لِلْمُصْحَفِ
الشَّرِيفِ وَالرَّسَائِلِ, وَمُتَرْجِمًا لِبَعْضِ اللُّغَاتِ, وَكَانَ عَلَيْهِ
الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ يُرْسِلُ الْقُرَّاءَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى الْبُلْدَانِ
الْمُخْتَلِفَةِ يُعَلِّمُونَهُمُ الْقُرْآنَ الْكُرْيمَ, وَكَانَ r يَقُولُ:« بَلِّغُوا عَنِّي
وَلَوْ آيَةً»([8]). وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُشَاوَرَتِهِ كِبَارًا فِي السِّنِّ أَوْ شَبَابًا
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ([9]).
فَأَحْسَنَ الصَّحَابَةُ
رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ التَّعَلُّمَ، وَتَسَابَقُوا لِلْحِفْظِ وَالْقِرَاءَةِ, وَهَكَذَا غُرِسَ
حُبُّ الْقِرَاءَةِ فِي قُلُوبِ الْعَرَبِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَخَذُوا يَنْهَلُونَ مِنَ الْمَعَارِفِ، وَيَغْرِفُونَ مِنْ
مَعِينِ الْحَضَارَةِ وَالْعِلْمِ, فَنَشَطَتْ حَرَكَةُ التَّأْلِيفِ وَالتَّصْنِيفِ
والتَّرْجَمَةِ مِنَ اللُّغَاتِ وَالْحَضَارَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ, وَأَصْبَحَتِ الْمَكْتَبَاتُ
مِنْ أَعْظَمِ مُكْتَسَبَاتِ الْحَضَارَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ وَثَمَرَاتِهَا, وَمِنْ
أَثْرَى الْمَكْتَبَاتِ فِي الْعَالَمِ، وَأَكْبَرِهَا عَلَى الإِطْلاَقِ لِقُرُونٍ
طَوِيلَةٍ, فَمَكْتَبَاتُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَمَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ وَالْقُدْسِ،
وَالْقَاهِرَةِ وَبَغْدَادَ وَدِمَشْقَ، وَقُرْطُبَةَ وَإِشْبِيلِيَّةَ وَغِرْنَاطَةَ,
شَاهِدَةٌ عَلَى صُرُوحِ الْحَضَارَةِ وَالثَّقَافَةِ, وَعَلَى قِيمَةِ الْقِرَاءَةِ
عِنْدَ الْعَرَبِ وَالْمُسْلِمِينَ.
أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِلْقِرَاءَةِ فَوَائِدَ
كَبِيرَةً، وَمَنَافِعَ كَثِيرَةً؛ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِنَيْلِ الْعِلْمِ الَّذِي كَرَّمَهُ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَبَبٌ لِلرِّفْعَةِ وَالْمَكَانَةِ السَّامِيَةِ، فَالْقِرَاءَةُ
تُنِيرُ الْعُقُولَ, وَتُضِيءُ الْبَصَائِرَ, وَتُكْسِبُ الْمَعَارِفَ، وَتُوَسِّعُ
آفَاقَ الْفِكْرِ، وَبِهَا تُبْنَى
الْحَضَارَاتُ، وَتَلْتَقِي الثَّقَافَاتُ، وَذَلِكَ مِنْ خِلاَلِ الاِطِّلاَعِ عَلَى
مَا أَنْتَجَهُ الْعَقْلُ الْبَشَرِيُّ، وَمَا اهْتَدَى إِلَيْهِ الْفِكْرُ الإِنْسَانِيُّ,
وَالاِسْتِزَادَةِ مِنْ مَعِينِهِ الْعِلْمِيِّ، وَتُرَاثِهِ الثَّقَافِيِّ، وَرَصِيدِهِ
الْمَعْرِفِيِّ، وَبِالْقِرَاءَةِ نَمْلِكُ زِمَامَ الصَّدَارَةِ وَالرِّيَادَةِ،
وَنُحَقِّقُ التَّوَاصُلَ الْبَنَّاءَ مَعَ الأُمَمِ وَالشُّعُوبِ وَالْحَضَارَاتِ،
وَإِنَّ قِرَاءَةَ الْكُتُبِ النَّافِعَةِ نَافِذَةٌ عَلَى الْعَالَمِ وَالْعِلْمِ
بِكَافَّةِ فُرُوعِهِ وَفُنُونِهِ، وَاخْتِرَاعَاتِهِ وَإِبْدَاعَاتِهِ، فَكُلُّ كَاتِبٍ
أَوْ مُؤَلِّفٍ أَوْ مُصَنِّفٍ أَوْ مُتَرْجِمٍ، قَدْ أَوْدَعَ كِتَابَهُ خُلاَصَةَ
عَقْلِهِ، وَتَجَارِبِهِ، وَحَصِيلَةَ عِلْمِهِ، لِتَرْتَقِيَ قُدُرَاتُ قَارِئِهِ،
وَتَتَّسِعَ آفَاقُ مُتَصَفِّحِهِ.
عِبَادَ
اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ مَا نَغْرِسُهُ فِي أَبْنَائِنَا حُبَّ الْقِرَاءَةِ، وَذَلِكَ
لِتَنْشِئَةِ جِيلٍ يَتَحَصَّنُ بِالْعِلْمِ الرَّاسِخِ، وَالْمَعْرِفَةِ النَّافِعَةِ،
وَالثَّقَافَةِ الْمُفِيدَةِ، وَإِنَّ أَهَمَّ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، فَنَقْرَأُهُ
بِتَدَبُّرٍ وَخُشُوعٍ، فَهُوَ الْكِتَابُ الْخَالِدُ الْمُعْجِزُ الَّذِي يَرْتَقِي
بِالإِنْسَانِ، وَيَحْصُلُ بِذِكْرِهِ الرِّفْعَةُ وَالشَّأْنُ, فَمِنْ كَرَمِ اللَّهِ
تَعَالَى أَنْ جَعَلَ الْمُكَافَأَةَ عَلَى قِرَاءَةِ حَرْفٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
ثَوَابًا مُضَاعَفًا، وَأَجْرًا عَظِيمًا, قَالَ النَّبِيُّ r :« مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ,
وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ
ألم
حَرْفٌ, وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ, وَلَامٌ حَرْفٌ, وَمِيمٌ حَرْفٌ»([10]).
وَإِنَّ الْجُلُوسَ
مَعَ الأَبْنَاءِ لِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ قِرَاءَةً جَمَاعِيَّةً مَعَهُمْ فِي مَجْلِسٍ
أُسَرِيٍّ يُنَمِّي قُدُرَاتِهِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَيُشَجِّعُهُمْ عَلَى الاِسْتِمْرَارِ
فِيهَا، وَكَذَلِكَ تَدْوِينُ الْكَلِمَاتِ وَالْجُمَلِ ذَاتِ الْمَعَانِي الْجَمِيلَةِ،
وَالدِّلاَلاَتِ الْقَوِيَّةِ، وَتَوْظِيفُهَا فِي الْحَدِيثِ الْيَوْمِيِّ تَكُونُ
فَوَائِدُهَا وَفِيرَةً، وَثَمَرَاتُهَا غَزِيرَةً, فَهِيَ تَزِيدُ الْقَارِئَ سَعَةً
فِي ثَقَافَتِهِ, وَتُعِينُهُ عَلَى الْحِفْظِ وَالتَّذَكُّرِ، جَاعِلِينَ نُصْبَ
أَعْيُنِنَا انْتِقَاءَ الْكُتُبِ الْمُفِيدَةِ، وَالْحِرْصَ عَلَى الْمَعْلُومَةِ
الصَّحِيحَةِ، وَالثَّقَافَةِ الْوَسَطِيَّةِ السَّدِيدَةِ. وَمُتْعَةُ الْقِرَاءَةِ
وَتَصَفُّحِ الْكُتُبِ تَبْعَثُ السَّعَادَةَ وَالاِطْمِئْنَانَ فِي النَّفْسِ، قَالَ
الشَّاعِرُ([11]):
وَخَيْرُ جَلِيسٍ فِي الزَّمَانِ كِتَابُ
وَإِنَّ مِنْ
أَقْوَى الأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ: وُجُودَ مَكْتَبَةٍ تَحْوِي
الْكُتُبَ الَّتِي تُلاَئِمُ مُسْتَوَى الأُسْرَةِ وَالأَوْلاَدِ وَأَفْكَارَهُمْ,
وَأَنْ تَكُونَ فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ مِنَ الْبَيْتِ، وَتَضُمَّ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ
مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، فَتُنَمِّيَ عُقُولَهُمْ، وَتَزِيدَ مِنْ ثَقَافَتِهِمْ،
فَتَكُونَ ثَقَافَةُ الْقِرَاءَةِ مُتَأَصِّلَةً بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ.
أَيُّهَا
الْمُصَلُّونَ: إِنَّ مِنْ ثَمَرَاتِ كَثْرَةِ
الْقِرَاءَةِ الْقُدْرَةَ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالتَّأْلِيفِ وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ،
فَإِنَّ الْعُلُومَ وَالْمَعَارِفَ إِذَا نَضِجَتْ فِي الْعُقُولِ؛ نَشَأَتْ عَنْهَا
الأَفْكَارُ النَّافِعَةُ, وَسَالَ بِهَا الْقَلَمُ وَدَوَّنَهَا، وَانْصَبَّتْ فِي
كُتُبٍ قَيِّمَةٍ، وَمُؤَلَّفَاتٍ ثَرِيَّةٍ, يَقْرَأُهَا النَّاسُ، وَتَعُمُّ
بِهَا الْفَائِدَةُ فِي الْمُجْتَمَعِ، فتُنِيرُ الْبَصَائِرَ، وَتُفَتِّحُ الأَذْهَانَ.
فَاللَّهُمَّ
عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَانْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَجَمِّلْنَا بِالْفَهْمِ،
وَزَيِّنَّا بِالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِطَاعَتِكَ
وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا
بِطَاعَتِهِ, عَمَلاً بِقَوْلِكَ:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)([12]).
نَفَعَنِي
اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ
قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ
الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ،
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ
الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى
التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: إِنَّ
تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَإِنَّ الْقِرَاءَةَ
خَيْرُ مَا يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمَرْءُ لإِعْمَارِ الدُّنْيَا، وَالْفَوْزِ فِي
الآخِرَةِ، لِذَا أَوْلَتْ حُكُومَتُنَا الرَّشِيدَةُ الْقِرَاءَةَ اهْتِمَامًا كَبِيرًا،
فَأَقَامَتْ مَعَارِضَ الْكُتُبِ، وَحَثَّتْ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ خِلاَلِ الْمُبَادَرَاتِ
وَالْمُسَابَقَاتِ الْكَثِيرَةِ، وَرَصَدَتِ الْجَوَائِزَ وَالْمُحَفِّزَاتِ, وَقَدْ
جَعَلَ صَاحِبُ السُّمُوِّ الشَّيْخُ/ خليفة بن زايد رَئِيسُ الدَّوْلَةِ يَحْفَظُهُ
اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَامِ 2016م عَامًا لِلْقِرَاءَةِ؛ وَإِنَّ مِنْ أَفْضَلِ مَا
تُسْتَثْمَرُ فِيهِ الأَوْقَاتُ الْقِرَاءَةَ وَمُطَالَعَةَ الْكُتُبِ، وَخَاصَّةً
فِي أَوْقَاتِ الاِنْتِظَارِ فِي الْمُسْتَشْفِيَاتِ وَالْعِيَادَاتِ وَأَمَاكَنِ
الْمُرَاجَعَاتِ وَوَسَائِلِ الْمُوَاصَلاَتِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ دَعَا صَاحِبُ
السُّمُوِّ الشَّيْخُ/ محمد بن راشد آل مكتوم، نَائِبُ
رَئِيسِ
الدَّوْلَةِ رَعَاهُ اللَّهُ إِلَى إِطْلاَقِ
عَصْفٍ ذِهْنِيٍّ، عَبْرَ وَسْمِ عَامِ الْقِرَاءَةِ، لأَهَمِّ الأَفْكَارِ الَّتِي يُمْكِنُ مِنْ خِلاَلِهَا تَرْسِيخُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى تُصْبِحَ عَادَةً مُجْتَمَعِيَّةً
شَعْبِيَّةً، لِجَعْلِ الْقِرَاءَةِ جُزْءًا مِنْ ثَقَافَةِ وَهُوِيَّةِ وَحَيَاةِ أَجْيَالِنَا. وَقَالَ سُمُوُّهُ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَالْبَاحِثِينَ
وَالْمُبْتَكِرِينَ الَّذِينَ سَيَقُودُونَ مُسْتَقْبَلَنَا لاَبُدَّ مِنْ صِنَاعَتِهِمْ
عَلَى أُسُسٍ مِنْ حُبِّ الْقِرَاءَةِ، وَشَغَفِ الْمَعْرِفَةِ وَالْفُضُولِ، لِتَخْرِيجِ جِيلٍ قَارِئٍ مُطَّلِعٍ،
وَتَرْسِيخِ الإِمَارَاتِ عَاصِمَةً لِلْمُحْتَوَى وَالْمَعْرِفَةِ.
هَذَا
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا
عَشْراً»([13]).
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ
وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ فَقِّهْنَا فِي الدِّينِ، وَسَهِّلْ لَنَا طُرُقَ الْعِلْمِ, وَيَسِّرْ لَنَا
سُبُلَ الْقِرَاءَةِ وَالْمَعْرِفَةِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ
ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَبْرَارَ،
وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ
مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا كَرِيمُ يَا غَفَّارُ. اللَّهُمَّ اجْزِ
خَيْرَ الْجَزَاءِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ
جَمِيعًا، اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا
عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ،
اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةِ
الْحَقِّ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَارْزُقْهُمُ الرَّخَاءَ وَالاِسْتِقْرَارَ يَا أَكْرَمَ
الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا
إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلاَّ
قَضَيْتَهُ، وَلاَ مَرِيضًا إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ مَيِّتًا إِلاَّ رَحِمْتَهُ،
وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ
وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ
الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا،
وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ
الدَّوْلَةِ، الشَّيْخ خليفة بن زايد، وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ
وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ
اللَّهُمَّ نَائِبَهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ،
وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ
وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ
الشَّيْخ زَايِد، وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ
انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ
وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا
وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ
الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ،
وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ
مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا
جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا
مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ
الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا
الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ([14]).
اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ
أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ،
وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. رَبَّنَا
آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ:( إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى
عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)([15])
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ
يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ( وَأَقِمِ الصَّلاَةَ
إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)([16]).
([3])
تفسير الطبري : (23/372) ، والقائل هو قتادة رحمه الله.
([4])
التحرير والتنوير : (28/207) .
([11]) هو أبو الطيب المتنبي
.
No comments:
Post a Comment